فصل: تفسير الآية رقم (8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (8):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)}
هذه الآية نزلت في قوم من اليهود نهاهم رسول الله عن التناجي بحضرة المؤمنين وإظهار ما يستراب منه من ذلك فلم ينتهوا، فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد وقتادة. وقال ابن عباس نزلت في اليهود والمنافقين.
وقرأ جمهور القراء والناس: {ويتناجون} على وزن يتفاعلون، وقرأ حمزة والأعمش وطلحة وابن وثاب {وينتجون} على وزن يفتعلون وهما بمعنى واحد كيقتتلون ويتقاتلون وفي مصحف عبد الله بن مسعود: {وعصيان الرسول}.
وقوله تعالى: {وإذا جاؤوك حيوك} الآية، يريد بذلك ما كانت اليهود تفعله من قولهم في التحية السام عليك يا محمد، وذلك أنه روي أن اليهود كانت تأتي فتقول: السام عليك يا محمد، والسام: الموت، وإياه كانوا يريدون، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «وعليكم»، فسمعتهم عائشة يوماً فقالت: بل عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله: «مهلاً يا عائشة إن الله يكره الفحش والتفحش»، قالت: أما سمعت ما قالوا؟ قال: «أما سمعت ما قلت لهم؟ إني قلت وعليكم». ثم كشف الله تعالى خبث طويتهم والحجة التي إليها يستروحون، وذلك أنهم كانوا يقولون: نحن الآن نلقى محمداً بهذه الأمور التي تسوؤه ولا يصيبنا سوء، ولا يعاقبنا الله بذلك، ولو كان نبياً لهلكنا بهذه الأقوال، وجهلوا أن أمرهم مؤخر إلى عذاب جهنم، فأخبر الله بذلك وأنها كافيتهم. وقال ابن عباس: هذه الآية كلها في منافقين، ويشبه أن من المنافقين من تخلق في هذا كله بصفة اليهود.

.تفسير الآيات (9- 10):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)}
وصى الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بأن لا يكون لهم تناج في مكروه، وذلك عام في جميع الناس إلى يوم القيامة. وخص الإثم بالذكر لعمومه {والعدوان} لعظمته في نفسه، إذ هي ظلامات العباد، وكذلك {معصية الرسول} ذكرها طعناً على المنافقين إذ كان تناجيهم في ذلك.
وقرأ جمهور الناس: {فلا تتناجوا} على وزن تتفاعلوا، وقرأ ابن محيصن {تناجوا} بحذف التاء الواحدة. وقرأ بعض القراء: {فلا تّناجوا} بشد التاء لأنها أدغمت التاء في التاء، وقرأ الأعمش وأهل الكوفة: {فلا تنتجوا} على وزن تفتعلوا. والناس: على ضم العين من العُدوان. وقرأها أبو حيوة بكسر العين حيث وقع. وقرأ الضحاك وغيره: {ومعصيات الرسول} على الجمع فيهما.
ثم أمر بالتناجي {بالبر والتقوى}، وذكر بالحشر الذي معه الحساب ودخول أحد الدارين وقوله تعالى: {إنما النجوى}، ليست {إنما} للحصر ولكنها لتأكيد الخبر.
واختلف الناس في {النجوى} التي هي {من الشيطان} التي أخبر عنها في هذه الآية، فقال جماعة من المفسرين أراد: {إنما النجوى} في الإثم والعدوان ومعصية الرسول {من الشيطان}، وقال قتادة وغيره: الإشارة إلى نجوى المنافقين واليهود، وقال عبد الله بن زيد بن أسلم: الإشارة إلى نجوى قوم من المسلمين كانوا يقصدون مناجاة النبي عليه السلام، وليس لهم حاجة ولا ضرورة إلى ذلك، وإنما كانوا يريدون التبجح بذلك، وكان المسلمون يظنون أن تلك النجوى في أخبار بعد وقاصد أو نحوه.
قال القاضي أبو محمد: وهذان القولان يعضدهما ما يأتي من ألفاظ الآية، ولا يعضد القول الأول. وقال عطية العوفي في هذه الآية: نزلت في المنامات التي يراها المؤمن فتسوءه، وما يراه النائم فكأنه نجوى يناجى بها.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول أجنبي من المعنى الذي قبله والذي بعده.
وقرأ نافع وأهل المدينة: {ليُحزِن} بضم الياء وكسر الزاي، والفعل مسند إلى {الشيطان}، وقرأ أبو عمرو والحسن وعاصم وغيرهم: {ليَحزُن} بفتح الياء وضم الزاي، تقول حزُنت قلب الرجل: إذا جعلت فيه حزناً، فهو كقولك كحلت العين، وهو ضرب من التعدي، كأن المفعول ظرف. وقد ذكر سيبويه رحمه الله هذا النوع من تعدي الأفعال، وقرأ بعض الناس: {ليَحزَن} بفتح الياء والزاي. و: {الذين} على هذه القراءة رفع بإسناد الفعل إليهم، يقال حَزِن الرجل بكسر الزاي.
ثم أخبر تعالى أن الشيطان أو التناجي الذي هو منه ليس بضار أحداً إلا أن يكون ضر بإذن الله أي بأمره وقدره. ثم أمر بتوكل المؤمنين عليه تبارك وتعالى: وهذا كله يقوي أن التناجي الذي من الشيطان إنما هو الذي وقع منه للمؤمنين خوف، وللخوف اللاحق للقلوب في هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يتناجى اثنان دون الثالث».

.تفسير الآيات (11- 12):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)}
قرأ جمهور الناس: {تفسحوا}، وقرأ الحسن وداود بن أبي هند: {تفاسحوا}، وقرأ جمهور القراء: {في المجلس}، وقرأ عاصم وحده وقتادة وعيسى: {في المجالس}. واختلف الناس في سبب الآية والمقصود بها، فقال ابن عباس ومجاهد والحسن: نزلت في مقاعد الحرب والقتال.
وقال زيد بن أسلم وقتادة: نزلت بسبب تضايق الناس في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنهم كانوا يتنافسون في القرب منه وسماع كلامه والنظر إليه، فيأتي الرجل الذي له الحق والسن والقدم في الإسلام فلا يجد مكاناً، فنزلت بسبب ذلك. وقال مقاتل: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً ليجلس أشياخ من أهل بدر ونحو ذلك فنزلت الآية، وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقم أحد من مجلسه ثم يجلس فيه الرجل ولكن تفسحوا يفسح الله لكم»، وقال بعض الناس: إنما الآية مخصوصة في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم في سائر المجالس، ويدل على ذلك قراءة من قرأ: {في المجلس}، ومن قرأ {في المجالس} فذلك مراده أيضاً لأن لكل أحد مجلساً في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وموضعه فتجمع لذلك، وقال جمهور أهل العلم: السبب مجلس النبي عليه السلام، والحكم في سائر المجالس التي هي للطاعات، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحبكم إلى الله ألينكم مناكب في الصلاة وركباً في المجالس»، وهذا قول مالك رحمه الله وقال: ما أرى الحكم إلا يطرد في مجالس العلم ونحوها غابر الدهر، ويؤيد هذا القول قراءة من قرأ: {في المجالس}، ومن قرأ: {في المجلس} فذلك على هذا التأويل اسم جنس فالسنة المندوب إليها هي التفسح والقيام منهي عنه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث نهى أن يقوم الرجل فيجلس الآخر مكانه، فأما القيام إجلالاً فجائز بالحديث قوله عليه السلام حين أقبل سعد بن معاذ: «قوموا إلى سيدكم»، وواجب على المعظم ألا يحب ذلك ويأخذ الناس به لقوله عليه السلام: «من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار».
وقوله تعالى: {يفسح الله لكم} معناه: في رحمته وجنته، وقوله تعالى: {وإذا قيل انشزوا فانشزوا} معناه: إذا قيل لكم ارتفعوا وقوموا فافعلوا ذلك، ومنه نشوز العظام أي نباتها، والنشز من الأرض المرتفع، واختلف الناس في هذا النشوز الذي أمروا بامتثاله إذا دعوا إليه. فقال الحسن وقتادة والضحاك معناه: إذا دعوا إلى قتال أو طاعة أو صلاة ونحوه، وقال آخرون معناه: إذا دعوا إلى القيام عن النبي عليه السلام لأنه كان أحياناً يحب الانفراد في آمر الإسلام فربما جلس قوم وأراد كل واحد أن يكون آخر الناس عهداً بالنبي عليه السلام، فنزلت الآية آمرة بالقيام عنه متى فهم ذلك بقول أو فعل، وقال آخرون معناه: {انشزوا} في المجلس بمعنى التفسح لأن الذي يريد التوسعة يرتفع إلى فوق في الهواء فإذا فعل ذلك جملة اتسع الموضع، فيجيء {انشزوا} في غرض واحد مع قوله: {تفسحوا}، وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم: {انشُزوا} برفع الشين وهي قراءة أبي جعفر وشيبة والأعرج.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بكسر السين فيهما، وهي قراءة الحسن والأعمش وطلحة. يقال: نشز ينشِز كحشر يحشِر ويحشُر وعكف يعكِف ويعكُف. وقوله: {يرفع الله} جواب الأمر، واختلف الناس في ترتيب قوله تعالى: {الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} فقال جماعة من المتأولين المعنى: {يرفع الله} المؤمنين العلماء منكم {درجات}، فلذلك أمر بالتفسح من أجلهم، ويجيء على هذا قوله: {والذين أوتوا العلم} بمنزلة قولك جاءني العاقل والكريم والشجاع، وأنت تريد بذلك رجلاً واحداً، وقال آخرون المعنى: {يرفع الله} المؤمنين والعلماء الصنفين جميعاً {درجات} لكنا نعلم تفاضلهم في الدرجات من مواضع أخرى ولذلك جاء الأمر بالتفسح عاماً للعلماء وغيرهم، وقال عبد الله بن مسعود وغيره: {يرفع الله الذين آمنوا منكم} وتم القول، ثم ابتدأ بتخصيص العلماء بالدرجات ونصبهم بإضمار فعل، فالمؤمنون رفع على هذا التأويل وللعلماء درجات، وعلى هذا التأويل قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة وخير دينكم الورع، ثم توعد تعالى وحذر بقوله: {والله بما تعملون خبير}، وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول} الآية. روي عن ابن عباس وقتادة في سببها أن قوماً من شباب المؤمنين وأغفالهم كثرت مناجاتهم للنبي صلى الله عليه وسلم في غير حاجة إلا لتظهر منزلتهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمحاً لا يرد أحداً فنزلت هذه الآية مشددة عليهم أمر المناجاة، وقال مقاتل: نزلت في الأغنياء لأنهم غلبوا الفقراء على مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال جماعة من الرواة: لم يعمل بهذه الآية بل نسخت قبل العمل لكن استقر حكمها بالعزم عليه كأمر إبراهيم عليه السلام في ذبح ابنه، وصح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ما عمل بها أحد غيري وأنا كنت سبب الرخصة والتخفيف عن المسلمين وذلك أني أردت مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم في أمر ضروري فصرفت ديناراً بعشرة دراهم، ثم ناجيته عشر مرار أقدم في كل مرة درهماً، وروي عنه أنه تصدق في كل مرة بدينار فقال علي ثم فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه العبادة قد شقت على الناس فقال لي يا علي: كم ترى أن يكون حد هذه الصدقة، أتراه ديناراً؟، قلت: لا، قال نصف دينار، قلت: لا، قال فكم: قلت حبة من شعير قال إنك لزهيد، فأنزل الله الرخصة.
قال القاضي أبو محمد: يريد للواجد وأما من لا يجد فالرخصة له ثابتة أولاً بقوله تعالى: {فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم}. وقال مقاتل: بقي هذا الحكم عشرة أيام، وقال قتادة: بقي ساعة من نهار، وقرأ جمهور من الناس: صدقة بالإفراد، وقرأ بعض القراء {صدقات} بالجمع.

.تفسير الآيات (13- 16):

{أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16)}
الإشفاق: الفزع من العجز عن الشيء المتصدق به أو من ذهاب المال في الصدقة وله وجوه كثيرة يقال فيها الإشفاق، لكنه في هذا الموضع كما ذكرت، {وتاب الله عليكم} معناه: رجع بكم، وقوله: {فأقيموا الصلاة} الآية المعنى دوموا على هذه الأعمال التي هي قواعد شرعكم ومن قال إن هذه الصدقة منسوخة بآية الزكاة، فقوله ضعيف لا يحصل كيف النسخ، وما ذكر في نحو هذا عن ابن عباس لا يصح عنه والله أعلم، وقوله تعالى: {ألم تر إلى الذين تولوا} نزلت في قوم من المنافقين تولوا قوماً من اليهود وهم المغضوب عليهم، وقال الطبري: {ما هم} يريد به المنافقين و{منكم} يريد به المؤمنين و{منهم} يريد به اليهود.
قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل يجري مع قوله تعالى: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} [النساء: 143]، ومع قوله عليه السلام: «مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين لأنه مع المؤمنين بقوله ومع الكافرين بقلبه»، ولكن هذه الآية تحتمل تأويلاً آخر وهو أن يكون قوله: {ما هم} يريد به اليهود، وقوله: {ولا منهم} يريد به المنافقين فيجيء فعل المنافقين على هذا التأويل أحسن لأنهم تولوا قوماً مغضوباً عليهم ليسوا من أنفسهم فيلزمهم ذمامهم ولا من القوم المحقين فتكون الموالاة صواباً. وقوله: {يحلفون} يعني المنافقين لأنهم كانوا إذا وقفوا على ما يأتون به من بغض النبي صلى الله عليه وسلم وشتمه وموالاة عدوه حلفوا أنهم لا يفعلون ذلك واستسهلوا الحنث، ورويت من هذا نوازل كثيرة اختصرتها إيجازاً وإذا تتبعت في المصنفات وجدت كقول ابن أبي لئن رجعنا إلى المدينة وحلفه على أنه لم يقل وغير ذلك، والعذاب الشديد هو عذاب الآخرة. وقرأ جمهور الناس: {أيمانهم} جمع يمين. وقرأ الحسن بن أبي الحسن: {إيمانهم}، أي يظهرونه من الإيمان والجنة: ما يتستر به ويتقي المحذور، ومنه المجن: وهو الترس: وقوله: {فصدوا عن سبيل الله} يحتمل أن يكون الفعل غير متعد كما تقول صد زيد، أي صدوا هم أنفسهم عن سبيل الله والإيمان برسوله، ويحتمل أن يكون متعدياً أي صدوا غيرهم من الناس عن الإيمان ممن اقتدى بهم وجرى في مضمارهم، ويحتمل أن يكون المعنى {فصدوا} المسلمين عن قتلهم، وتلك {سبيل الله} فيهم لكن ما أظهروه منا لإيمان صدوا به المسلمين عن ذلك، والمهين: المذل من الهوان.